لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: قرار محكمة العدل الدولية وتداعياته واستهداف أونروا

ذكر بشارة خلال الحوار أن محكمة العدل الدولية أكّدت على الخطر المُحدق بالفلسطينيين، ووجود شبه إبادة جماعية، مشددا على أن أن "أيّ ضغط على إسرائيل لتخفيف العاناة عن الشعب الفلسطيني، أمر مفيد في هذه المرحلة".

لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة: قرار محكمة العدل الدولية وتداعياته واستهداف أونروا

د. عزمي بشارة، خلال الحوار

قال المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، د. عزمي بشارة، خلال حوار، أجراه الأحد، عبر "التلفزيون العربي"، بشأن الحرب على قطاع غزة، إن محكمة العدل الدوليّة في قرارها بشأن اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في القطاع؛ قد تبنّت السرديّة الفلسطينية لما حدث بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وذكر بشارة خلال الحوار أن محكمة العدل الدولية أكّدت على الخطر المُحدق بالفلسطينيين، ووجود شبه إبادة جماعية، مشددا على أن أن "أيّ ضغط على إسرائيل لتخفيف العاناة عن الشعب الفلسطيني، أمر مفيد في هذه المرحلة".

وقال إن "قرار محكمة العدل الدولية منح غطاء دوليا لمصر، لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة".

وشدّد على أنه "يجب أن تكون هناك تقارير فلسطينية أسبوعية توثّق ما يجري على الأرض، وتدحض ما تقوله إسرائيل في تقاريرها".

أونروا والعقاب الجماعي

وذكر بشارة أن السلوك الأميركي والدول التي اتبعت أميركا في قطع التمويل عن "أونروا"، مساهمة عمليا في جريمة حرب وفي الإبادة الجماعية الحاصلة في غزة، فضلا عن أنه يندرج في خانة التعامل المغرور مع الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين وشعوب العالم الثالث عموما، انطلاقا من العقاب الجماعي.

وأوضح في هذا الخصوص أن "أونروا" فيها 30 ألف موظف، 13 ألفا منهم في غزة، "فلنفترض أن 12 منهم ارتكبوا مخالفات، فهل نعاقب 13 ألف موظف بينما يستفيد مليونا شخص من تقديمات الوكالة؟".

وذكّر بشارة بأن الحرب على الأونروا قديمة وأن إسرائيل لطالما جاهرت بنيتها إلغاء هذه الوكالة الدولية لأنها الشاهد الحي على النكبة والتهجير.

المنطقة العازلة في غزة

وردا على سؤال عن مسار تدمير غزة المتواصل منذ أربعة أشهر، شدد بشارة على أن هذا التدمير هو إستراتيجية وهدف بذاته لجعل غزة غير صالحة للحياة وهو هدف يتحقق بالفعل، محذرا من أنه بعد خانيونس، سيأتي دور رفح.

ولفت إلى أنه لا يوجد انسحاب إسرائيلي حقيقي من أي منطقة في غزة، حتى من تلك خرجوا منها رسميا، فهم يعودون إليها بشكل دائم في إطار بحثهم عن قيادات "القسام" و"حماس" عموما.

وذكر بشارة أن المنطقة العازلة التي بدأت إسرائيل في إرسائها جزء من إستراتيجية اليوم التالي لاقتطاع نحو 40 كيلومترا مربعا، أي ما يناهز تِسع مساحة غزة، وجعله منطقة عازلة ليكتمل المخطط لاحقا بفرض قوى تأتمنها إسرائيل للإشراف على القطاع، بإدارة ذاتية فلسطينية.

وجزم بشارة بأن كل ذلك "لا يمكن أن يواجَه، إلا إن اتحدت قوى الشعب الفلسطينية من دون أن تتكل على المبادرات الغربية، لإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية لكي تقوم بالمهمة".

قرار محكمة العدل الدولية

وفي ما يتعلّق بقرار محكمة العدل الدولية بفرض تدابير مؤقتة لمنع حصول إبادة جماعية في غزة، رأى بشارة أن هناك مشكلة وخطأ في طريقتنا بمناقشته، "فلا النظر إليه على أنها انتصار تاريخي صحيح ولا اعتباره انتكاسة كبيرة في محله" على حد تعبيره.

وتوقف عند جملة من الأمور الإيجابية التي اكتنفها قرار قضاة المحكمة، منها أن المحكمة رفضت الاعتراض الإسرائيلي القائم على ادعاء عدم الاختصاص، ثم رفضت المحكمة الزعم الإسرائيلي بأنه لا توجد إبادة جماعية في غزة، وسردت مجموعة حقائق تقدمها السردية الفلسطينية والعربية.

ولفت بشارة إلى أن عملية السابع من أكتوبر لم تسمّها المحكمة إرهابية، وقد استندت إلى معطيات الخطاب الفلسطيني الذي كان مرفوضا بشكل كامل ومن يحمله يُتهم بمعاداة السامية في الغرب. ثم إن 15 قاضيا وافقوا على هذا الخطاب ومعظمهم من بلدان حليفة لأميركا، وهذه نقطة إيجابية إضافية في تقييم بشارة.

كذلك الحال في ما يتصل بموافقة القضاة على حقيقة وجود خطر ملح على الفلسطينيين يقتضي فرض التدابير المؤقتة. أضف إلى ذلك موافقة القضاة على أن الفلسطينيين جماعة إثنية مهددة كجماعة، وأن ما يحصل تجاههم فيه شبهة إبادة جماعية بالتالي يجب وقفه. ومن هنا، خلص بشارة إلى أن نقاشنا وتقييمنا للقرار إن كان انتصارا أو هزيمة لا مكان له، فالقرار صدر وهو يحمل بنودا جديدة غير مسبوقة يجدر استخدامها في المعركة السياسية ضد الاحتلال.

وفي إطار تحليله لسبب عدم صدور أمر بوقف إطلاق النار عن المحكمة، أورد بشارة مجموعة من الاحتمالات، منها تدخل عامل سياسي كضغط أميركي للتوصل إلى تسوية من النوع الذي خرج به قرار المحكمة، أو أن يكون القضاة اعتبروا أنه لو أُخذ القرار إلى مجلس الأمن اليوم من قبل دولة جنوب أفريقيا، سيصعب أن يواجَه بفيتو على عكس ما سيحصل على الأرجح لو كان القرار يأمر بوقف إطلاق النار.

وتحت عنوان أن أهمية القرار تتمثل في أنه يعزز المعركة السياسية ضد تل أبيب، أكد بشارة أن "أي ضغط على إسرائيل لتخفيف معاناة الناس في غزة مفيد في هذه المرحلة، لذلك يجب مواجهة إسرائيل والعالم والدول التي تدعم إسرائيل بهذا القرار". أما هجاء قرار المحكمة، فإنما هو "كلام متفرجين" على حد تعبيره.

وأعرب بشارة عن قناعته بأن مصر لو زوّدت غزة بالطعام والدواء اليوم، يكون ذلك في صدد تنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية، بالتالي "مُنحت مصر غطاءً دوليا بالإجماع لإنقاذ الفلسطينيين من الإبادة، فليحصل إذا ضغط على الأطراف العربية لكي تتعاون مع القرارات الدولية من أجل إنقاذ الشعب الفلسطيني، وهذه من بين أدوات الرقابة على تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية" وفق تقييم مدير "المركز العربي".

أما عن التصعيد اللفظي الذي يصدر من وقت إلى آخر عن بعض المسؤولين المصريين تجاه إسرائيل، فلم يعره بشارة أهمية، ذلك أنه بعد الاتهام الإسرائيلي لمصر في لاهاي في ما يتعلق بالمساعدات ومعبر رفح، "وعدت القاهرة بالرد ولم ترد بشيء". وأضاف بشارة أن التحرك المصري الفعال يمكن أن يكون بأن تُدخل مصر من المعبر مساعداتها تنفيذاً لقرار محكمة العدل الدولية.

مبادرات مقاضاة إسرائيل

وفي سياق متصل بمبادرات محاكمة إسرائيل أو الدول التي تدعمها في عدوانها على قطاع غزة، حذّر بشارة من أن محكمة الجنايات الدولية "لا تحاكم إلا المهزومين وأخشى أن تحاكم حركة حماس لا إسرائيل، والمدعي العام (كريم خان) غير موثوق".

وأوضح أن محكمة الجنايات صار لها إطار قانوني الآن لا يمكنها أن تناقضه، أي قرار محكمة العدل الدولية.

وأعرب عن إيجابية وجود مبادرات جيدة في الولايات المتحدة لمحاكمة مسؤولين أميركيين بتهمة المساهمة في قتل الفلسطينيين، "حتى سياسيا هناك تغيير في اللهجة في الدول الغربية الداعمة كلياً لإسرائيل"، بحسب كلام بشارة، الذي أعطى أمثلة على ذلك في المبادرة البريطانية لإنهاء الحرب وحتى في تصريحات "داعمة بوقاحة لإسرائيل" كوزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك.

وكان بشارة قد أشار، السبت، إلى أن محكمة العدل الدولية في لاهاي، قد "تبنت عمليا الخطاب الفلسطيني في وصف ما تقوم به اسرائيل دون نقصان، ورفضت الوصف الإسرائيلي لما يجري، سواء على مستوى عدد الضحايا ونوع الجرائم وحجم المعاناة أم على مستوى تبريرها بالدفاع عن النفس. ولم يكن تبني الوصف الفلسطيني لما يجري (عبر لائحة الاتهام والأدلة التي قدمتها جنوب أفريقيا وتقارير الأمم المتحدة) نظريا فحسب، بل تبنت المحكمة صيغة الإلحاح والضرورة القصوى فأمرت باتخاذ تدابير لوقف هذه الجرائم".

وذكر أن"هذا ليس بالأمر القليل، سيما وأن القضاة من الدول الغربية كافة تبنوا القرار الذي يتضمن هذا الخطاب بتفاصيله. وكلها دول داعمة لإسرائيل ومتحالفة معها. هذا مهم. فبعد السابع من أكتوبر كان الخطاب الإسرائيلي في وصف ما يجري هو السائد، وكان من ينبس بجزء مما قرأته على مسامعنا رئيسة المحكمة يُتَّهم بالعداء للاسامية".

لا جديد بشأن صفقة رهائن

وردا على سؤال يتعلق بجديد المبادرات والزيارات والتحركات الهادفة إلى إنجاز اتفاق سياسي لتبادل أسرى أو وقف إطلاق نار أو إرساء هدنة، اختصر بشارة الوضع بالمثل العربي "أسمع جعجعة ولا ارى طحنا" للإشارة إلى عدم وجود جديد فعلي في هذا الملف، ذلك أن حكام إسرائيل بحاجة لإيهام الشارع بأن هناك اهتماما بقضية الأسرى، أما أميركا فهي معنية بالهدن الإنسانية وبقضية الأسرى وباليوم التالي على الحرب.

ونفى أن تكون جميع الاقتراحات المطروحة حاليا ترقى إلى وقف إطلاق النار وهذا ما يجعلها غير مقبولة من قبل المقاومة.

أما التفاوض من خلال الوساطة القطرية، فإنه يدور، بحسب معلومات الدكتور عزمي بشارة، حول إطلاق سراح الأسرى على مراحل ثلاث، وأوضح أن المشكلة تكمن في عدد أيام هذه المراحل، بين 45 يوما أو أكثر، ثم تمدد من دون أن تكون وقفا كامل لإطلاق النار الذي يبقى بلا ضمانات.

وتابع أن أميركا لا تريد وقفا لإطلاق النار وهناك خشية أميركية ــ إسرائيلية من صعوبة استئناف الحرب بعد 3 أشهر من الهدنة في حال أُرسيت بالفعل.

ولاحظ مدير "المركز العربي" أن أساس الحراك الدبلوماسي الأميركي في الفترة الأخيرة في المنطقة صار يتمحور حول أولوية أساسية لواشنطن، وهي عودة مسار التطبيع بين إسرائيل والعرب عموما والسعودية خصوصا، واستنتاج المسؤولين الأميركيين بأنه يجب معاقبة من أعاق هذا التطبيع، أي "حماس"، بهدف استئناف المسار.

عرب مناطق 48: المواطنة والهوية الوطنية

وعرّج بشارة، ردا على سؤال، على تسليط الإعلام الضوء أخيرا على جنود عرب يقاتلون في صفوف الجيش الإسرائيلي، فعاد بالموضوع إلى محطات نضال فلسطينيين 48 لنيل حقوقهم بدءا من المواطنة في موازاة كيفية المحافظة على الهوية الوطنية.

واسترسل بشارة في هذا الإطار للإشارة إلى أن البعض استسلم للخدمة العسكرية في الجيش في مقابل الحقوق، لكن مع الوقت تبين أن الصراع من أجل الحقوق لا ينفصل عن الهوية الوطنية انطلاقا من أن الحفاظ على تلك الهوية الوطنية يعطيك صفة صاحب الأرض.

وتحدث عن وجود فكرتين بين عرب الداخل، بين من يرى أنه يجب أن يكتفوا بما تعطيهم إياه الدولة ومؤسساتها، في مقابل قناعة أخرى بأن المواطنة حق لا منّة، وأن تحصيل الحقوق يجب أن يوازيه نضال من أجل التمسك بالهوية الوطنية.

وأكّد أنه في ظروف كالتي نعيشها اليوم، يسود الخوف وترتفع الأصوات الاستسلامية في المجتمع العربي، وهو ما يجب أن يواجَه برأي بشارة.

نتنياهو ومهاجمة قطر

وفي ما يتعلق بما سُرب من تحريض رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ضد قطر في وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أيام، شرح بشارة أن هناك حالة إفلاس عند نتنياهو تُترجم بأنه يحاول تطبيق نظريته في ما يتعلق بالرهائن الإسرائيليين في غزة على دولة قطر، بمعنى أن نتنياهو يقول لشعبه إن الحل الوحيد لتحرير الأسرى يكون بالقوة العسكرية، مع أن العكس هو الحاصل، وجريا على هذا المنطق يحاول أن يقول "بغرور وغطرسة ورخص" على حد تعبير بشارة، إن ضغط قطر على حماس هو ما يجدي.

وبرأي بشارة، فإن هذا التفكير ينمّ عن عدم فهم لطبيعة علاقة قطر بحماس، وأن قطر دولة مستقلة فعلا.

ورجّح أن يكون هذا السلوك نتيجة لـ"تدليل إسرائيل" من قبل بعض العرب والغربيين، بشكل جعلها تعتاد على التعامل مع الآخرين وكأنهم يتصرفون بموجب حاجات إسرائيل. وختم هذا الجزء من الحوار بترجيح أن يفشل تحريض نتنياهو على قطر وابتزازه لها.

مقتل الجنود الأميركيين

وتطرّق اللقاء التلفزيوني مع بشارة إلى الهجوم الذي طاول قاعدة أميركية عند الحدود العراقية - الأردنية - السورية ليل الأحد، وأدى إلى مقتل 3 جنود أميركيين، واضعاً إياه في خانة التطور "غير المهم نوعيا"، ذلك أنه حصلت هجمات كثيرة سابقا في إطار الشد والرخي، وسيتبعه رد أميركي قد يكون أكثر شدة "لكنها سلسلة ردود من النوع الذي لا يؤدي إلى حرب بين أميركا وإيران، لأن الطرفين لا يريدان حربا".

وبينما وافق على فرضية أن أجواء الحرب على غزة تداخلت مع الصراع الأميركي الإيراني في المنطقة، إلا أنه صوّب على حقيقة أن الصراع قائم منذ ما قبل حرب غزة. حتى أنه أعاد إلى الذاكرة واقع أن ذروة المواجهة كانت مع اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد، والصراع (الأميركي ــ الإيراني) مستمر، وتحصل فيه من حين إلى آخر قفزات واختراقات نوعية، شأنها شأن ما يحصل في اليمن بين الحوثيين، حلفاء إيران، وأميركا من جهة ثانية، فبحسب تعبير بشارة "الوضع هناك عبارة عن عملية مستمرة لن تتحول إلى حرب إقليمية تحتاج على الأقل طرفا واحدا يريدها بقوة، فكيف بالأحرى حين يكون الطرفان الأميركي والإيراني يرفضانها بقوة".

وخلال الحوار الأخير الذي أُجري معه عبر "التلفزيون العربي"، قال بشارة إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو "مستعدّ لإغضاب قيادة الجيش الإسرائيلي، إرضاءً للقوى اليمينية المتطرّفة المتحالفة معه"، مشددا على أنه "يجري في إسرائيل توظيف الخسائر في الأرواح من أجل الاستمرار في الحرب".

وذكر بشارة أن بعض التغييرات طرأت على الحرب بالفعل، أهمها أن المدة التي احتاجتها إسرائيل لتقوم بمهامها كانت أطول من التي توقعها الأميركيون والإسرائيليون، ذلك أن هدفا إسرائيليا واحدا تحقق وهو تدمير قطاع غزة وجعله غير قابل للحياة. واقع رأى أن إسرائيل ستضطر معه إلى الانتقال لمرحلة جديدة من الحرب تقوم على العمليات المحددة وليس القصف الشامل، وهذا يعود بشكل أساسي إلى ضرورات عسكرية ذلك أن القصف استنزف نفسه ولا يؤدي إلى قتل قيادات "حماس".

التعليقات